ملف قطاع غزّة
بدأت بعض الدّول الأوروبية في البحث و النّظر في خيارات ما بعد الحرب. ومن بين هذه الخيارات، تدويل إدارة قطاع غزة، حيث وقع اقتراح يقوم على تشكيل تحالف دوليّ يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة.
انقسامات بين الدول الأعضاء حول ملف غزّة
في البداية لابدّ من الإشارة إلى نقاشات القادة الأوروبيين، فقد أظهرت الأسبوع الماضي خلال قمة للاتحاد في بروكسيل مدى الانقسامات بين الدول الأعضاء في التكتل حول ملف غزة. إذ أجرى زعماء الاتحاد الأوروبي نقاشات امتدت ساعات طويلة للتوصل إلى موقف موحد يدعو لفتح “ممرات إنسانية” لكن لم يصل إلى حد الدعوة إلى وقف إطلاق النار. كما أظهر تبادل الاتهامات بين عدد من المشاركين مؤشرا آخر على الانقسامات المستمرة داخل الاتحاد بشأن الحرب. وصوّتت ثماني دول في الاتحاد الأوروبي، بينها بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، لصالح قرار غير ملزم يدعو إلى “هدنة إنسانية فورية”. في حين صوّتت النمسا والمجر من بين أربع دول أخرى أعضاء في الاتحاد ضد القرار، بينما امتنعت 15 دولة، بينها ألمانيا وإيطاليا وهولندا عن التصويت. وانتقدت إسرائيل والولايات المتحدة القرار لأنه لم يذكر حماس.
دور هذا التّحالف الدّولي
حسب التّوقّعات الأوّليّة، سيقع اللّجوء إلى تحالف دوليّ و أولويّاته تأمين غزّة وتفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع مع التّحذير من تداعيات القصف العشوائي، وضرورة اعتماد عمليات جراحية دقيقة في غزة. القصد منها إضعاف حركة حماس وذلك بتجفيف منابع دعمها ماليّا و سياسيّا. لكن هناك من يجنح إلى السّلم فيرى أنّ الاستقرار في غزة لن يتحقّق في الأمد المتوسّط سوى من خلال إعادة إطلاق مسيرة السّلام، و ما يتطلب انخراط الأطراف الرّئيسية مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية.
تداعيات تدويل ملف غزة
- تدويل إدارة قطاع غزة يخدم مصالح إسرائيل وحلفائها، ويبررّ سياساتها العدوانية والاستيطانية تجاه الشّعب الفلسطينيّ، وتعفيها من مسؤوليتها كقوة احتلال، وتعفيها من الالتزام بالقانون الدّولي والقرارات الدّولية، وتعطّل عملية السّلام وحلّ الدّولتين. فإسرائيل هي المستفيد الأوّل من تدويل إدارة قطاع غزّة، لأنّها تريد التخلّص من عبء الحكم والمسؤولية عن القطاع، وتريد تفريغه من سكّانه وتهجيرهم إلى دول أخرى، وتريد تقسيم الأراضي الفلسطينية المقسّمة أصلا وتقويض مشروع الدّولة الفلسطينية.
- تدويل إدارة قطاع غزة يعني تجاوز السّلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهما الممثّلان الشرعيان والوحيدان للشعب الفلسطيني، واللذان وقّعا جميع الاتفاقيات مع إسرائيل والمجتمع الدّولي، بما في ذلك اتفاقيّة أوسلو، التي تنص على أن قطاع غزة والضفة الغربية هما وحدة جغرافية واحدة، وأنه لا يمكن فصلهما عن بعضهما. لذلك، فإن أي خطّة لتدويل إدارة قطاع غزة يجب أن تحظى بموافقة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وإلا فإنها ستكون محاولة للتدخّل في الشؤون الداخلية للفلسطينيين، وتقويض شرعيتهم ومطالبهم.
- تدويل إدارة قطاع غزة يعني تعزيز الانقسام الفلسطيني والعربي، وتقويض جهود المصالحة و الوحدة الوطنيّة الوطنية، والتي تعتبر ضرورية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة وسياديّة. مع العلم وأنّ التّجارب السّابقة أظهرت أن هذه الخطط تؤدي إلى المزيد من التفكك والصّراعات والعنف، ولا تحل المشاكل الجذرية، بل تزيدها تعقيداً. و على سبيل المثال نذكر تدويل إدارة القدس في عام 1947، أو تدويل إدارة العراق في عام 2003.
- تدويل إدارة قطاع غزة يعني تجاهلا لإرادة الشعب الفلسطيني، الذي انتخب حركة حماس في انتخابات تشريعية ديمقراطية في عام 2006، والتي اعترف بها المجتمع الدّولي، بما في ذلك الاتّحاد الأوروبي، الذي رأى آنذاك أنّها انتخابات حرّة ونزيهة. وعلى الرغم من أن حماس تواجه انتقادات واسعة بسبب سياستها وممارساتها، إلا أنها لا تزال تحظى بدعم شعبيّ كبير في قطاع غزة، ولا يمكن تجاهلها أو تهميشها في أيّ حل سياسيّ للصّراع الفلسطيني الإسرائيلي. لذلك، فإن أي خطّة لتدويل إدارة قطاع غزة يجب أن تشمل حماس كجزء من الحلّ، وإلا فإنها ستواجه مقاومة شرسة من حماس والفصائل الأخرى، وستفشل في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام.
خيار غير واقعيّ
خيار تدويل إدارة قطاع غزة بعد الحرب هو خيار غير واقعيّ و لن يقبل به الشّعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، ويمثّل تجاهلا للحقوق الوطنيّة والسياديّة للفلسطينيين، ويعزز من الانقسام الفلسطيني والعربي..