تونس
الوزارة و النّقابة : من سيكسب التّحدّي ؟
تمرّ تونس بفترة حرجة على جميع الأصعدة وفي جلّ القطاعات ويظهر ذلك في تدهور قدرة المواطن الشرائية، إضافة إلى تسجيل مستويات قياسية لارتفاع أسعار معظم المواد الاستهلاكية إلى جانب تراجع قطاع الخدمات، وتواضع مؤشرات النموّ الاقتصاديّ في البلاد. هذا الجوّ العام ازداد سوءا بنشوب صراع محتدم بين اتّحاد الشّغل تمثّلته نقابات وازنة مثل نقابات التّعليم ... كانت تونس تعاني من سطوة الأحزاب وتعملقها و بعد 25 جويلية خلنا أنّنا سننطلق في رسم منوال تنمويّ جديد يدفعنا إلى تخفيف وطأة أوضاعنا الرّاهنة فيتحسّن حالنا .
ولا يخفى أنّ كلّ النّقابات تحظى بحقوق عمّالية واجتماعيّة تمنحها الحق في التعبير عن مطالبها وممارسة ضغوطها لتحقيق تلك المطالب. ومع ذلك، يجب أن تمارس هذه الحقوق وفق طرق قانونية ومسؤولة تراعي مصلحة الجميع. قد يكون للنّقابات الحق في تنظيم إضرابات أو وقفات احتجاجيّة أو تظاهرات سلميّة للتعبير عن مطالبها. ومع ذلك يتوجّب عليها الالتزام بالقوانين واللوائح والقواعد الخاصّة بالإضرابات والتّظاهرات، وعدم المساس بحقوق الأولياء والإدارة أو تعطيل العمليّة التعليميّة بشكل غير قانونيّ أو غير مسؤول. من المهمّ أيضًا أن يتمّ السّعي للحوار والتّفاوض بين النّقابات والدّولة أو الوزارة لحلّ الخلافات وتلبية المطالب المشروعة. يجب أن يكون هناك رغبة حقيقية في التوصّل إلى حلول مشتركة من أجل المصلحة العامة وتحقيق التّوازن بين حقوق العمّال واحتياجات الأولياء واستمرارية العمليّة التعليميّة.
احدى الاستراتيجيّات النّضاليّة التي ارتأتها نقابتيْ التّعليم حجب الأعداد. حجب الأعداد على الوزارة ولم تفعل على الأولياء ربّما هي تتجنّب المواجهة معهم فالجانب الأكبر منهم يمثّل الطّبقة الشّغيلة بما يمثّله من رصيد نقابيّ لا يمكن التّفريط فيه لفائدة الهياكل النّقابيّة الأخرى المنافسة. ومن ناحية أخرى لم تحجب عنهم الأعداد لكيّ لا يصطفّوا في صفّ الوزارة و ويدعمونها بتأييدهم في هذا الصّراع.
لكنّ الدّولة في هذا الظّرف الذي انطلقت فيه أشغال مجلس النّواب، تسعى إلى استرجاع هيبتها و تعزيز سلطتها ولو بخطى وئيدة محتشمة، حيث أنّها بدأت في اتخاذ الاجراءات على أساس العمل المنجز، فقامت بسحب التّكليف من المديرين - وعددهم 150 - في البداية الذين حجبوا الأعداد و لم يكملوا بقيّة التّراتيب الجاري بها العمل في نهاية السّنة الدّراسيّة كتنظيم مجالس الأقسام، إعداد قائمات التّلاميذ للسّنة المقبلة، مدّ الإدارة بالإحصاءات المعتادة لإعداد العودة المدرسيّة الجديدة، تنظيم اختتام السّنة الدّراسيّة الحاليّة، الخصم من المرتّب بالنّسبة للمعلّمين، وهنا لا بدّ من تذكّر أوجه صرف مليارات الانخراطات، فلم يقم الاتّحاد ببناء و لو مدرسة واحدة...
أمام هذه الإجراءات تظهر النّقابة عدم اكتراثها وتعمّق الأزمة بأن دعت المديرين إلى استقالة جماعيّة وبالتّالي التخلّي عن المسؤوليّة الإداريّة. من النّاحيّة المبدئيّة الاستقالة لا تكون جماعيّة إن كانوا يتحدّثون عن الكرامة و الشّجاعة و النّضال... ويظهر أنّ الوزارة قد قبلت استقالاتهم " الجماعيّة ". لا أرى لهذه الاستقالة أيّ تأثير لسببين أوّلهما لا وجود لخطّة "مدير مدرسة" في تونس بل هو معلّم مكلّف بإدارة مدرسة ابتدائيّة ويتقاضى نظير ذلك منحة شهريّة تقدّر بحسب عدد تلاميذ المدرسة. أمّا السّبب الثّاني فهو تزامن الاستقالات مع الدّخول في العطلة الصّيفيّة و هي عطلة مطوّلة تكفي لسدّ الشّغورات و تنظيم دورات تكوينيّة للمكلّفين الجدد.
قد يكون للعطلة المدرسية المطولة تأثير إيجابي على القدرة على التعامل مع الاستقالة الجماعية. ويمكن للفترة المقبلة التي توفّرها العطلة أن تسمح للمسؤولين بالتّخطيط والتّنسيق لتعيين المديرين الجدد و تأهيلهم وإعداد برامج جديدة تعزّز استقرار التّعليم و تحسين جودته بما يجعلهم يكسبن الرّهان و يقطعون الطّريق أمام هذه النّقابات التي في الحقيقة لا تسعى إلى الإصلاح و إنّما تريد المكاسب وهي لا تشرّف العمل النّقابيّ.
على الدّولة أن تتحمّل مسؤوليتها في مقاومة كلّ من يسيء إلى المجموعة الوطنيّة ومنهم اتّحاد الشّغل فنحن نرى جلّ القيادات النّقابيّة يعيشون في ترف و رخاء لا يتلاءم مع الوظائف التي جاؤوا منها و لا على مداخيلهم. تونس ترزح تحت أزمة سياسيّة، اجتماعيّة و اقتصاديّة لا تقوى عليها أعتى الدّول وذلك بفعل الأحزاب ثمّ ها هي النّقابات تواصل الهدم … نقابات التّعليم شلّت مفاصل التّعليم وجعلته يتبوّأ المراتب الأخيرة في المسابقات الدّوليّة. الكثير من المسؤولين يخضعون للنّقابات و يسلّمون لهم مقاليد الأمور للحفاظ على مناصبهم وهذا أكبر إجرام في حقّ الوطن … الشّعب يعاني بسبب توقّف عجلة التّنمية الاقتصاديّة من ناحية، و بطء فتح ملفات الفساد من ناحية أخرى.
على مسؤولي وزارة التّربية التّعامل مع ملف حجب الأعداد بكثير من الشّجاعة هم أمام رهان كبير النّقابة تتحدّاهم و تتحدّى الوزارة وعليهم أن يتّخذوا القرارات الرّادعة لاستعادة الدّولة و ليعرف كلّ قدره فلابدّ بالتّعجيل بالحلول و أهمّها المحاسبة، تكريس مبدأ التّعدديّة النّقابيّة و مراقبة تمويلات الاتّحاد وخاصّة الاقتطاع الآلي من مرتّبات الموظّفين.
إرسال تعليق
0تعليقات