بعد الثورة التونسية، بدأ المجتمع التونسي في مواجهة تحديات جديدة ومتنوعّة. فقد استشرت ظاهرة جديدة هي ظاهرة العنف وأخذت في التّنامي والانتشار، فأصبحت جزءًا مؤلمًا من صميم واقعنا الاجتماعي.
غفران ضحيّة عنف مجانيّ
في سيدي عاشور نابل، كانت غفران الزمني في طريق العوة بعد أداء واجبها المهنيّ. إنها امرأة شابّة تعمل بجدّ في مدينة الحمامات الجنوبية، محاولةً بكلّ قوّتها توفير مستقبل أفضل لابنتها الصّغيرة البالغة من العمر عامين. للأسف، كانت الحياة لا تزال تخبّئ لها حادثة مأساويّة. كان يومًا عاديًا في مقرّ عملها حتى حدثت مناوشة مؤسفة بينها وبين زميلتها. ذهبت الأمور في اتّجاه غير متوقّع، واندلعت مشادّة كلاميّة . بعد الانتهاء من العمل، كانت غفران في طريق عودتها إلى منزلها ربّما تفكّر في تلك اللّحظات الصّعبة التي مرّت بها في اليوم. ولكن لم تكن تدرك أنّ المفاجأة لم تنته بعد. فجأة، ظهرت زميلة أخرى ليست خصمتها السّابقة أمامها. اندلعت مشاحنة جديدة، وهذه المرّة كانت أكثر عنفًا. تمسّكت الزّميلة بشعر غفران وبدأت في الاعتداء عليها بوحشيّة، خصوصاً على رأسها. بعد اندلاع العنف، كانت غفران قد أصيبت في رأسها الذي لم يتحمّل حجم الضّرب المسلّط عليه. الإصابة استوجبت التّحرّك ، والأمور تطلّبت تدخّلاً فوريًا. تمّ نقلها إلى مستشفى الطاهر المعموري في نابل، أين تمّ وضعها تحت المراقبة الطبيّة بعد أن تسبّب الاعتداء في نزيف داخليّ في رأسها. ولكن مع تدهور حالتها الصحيّة، تم نقلها إلى مستشفى بن عروس بالعاصمة. علينا أن نشعر بالقلق والحزن العميقين. إنّنا ندرك الوضع الذي صارت عليه تونس ، يجب علينا التماس العدالة والمحاسبة للمجرمتين اللتين اعتدتا على غفران وأخذتا منها حقٌها في أن تكون بمنزلها بجانب زوجها و طفلتها. على مرّ الأيام، بدأنا نرى نتائج عدم كفاءة سياسيينا في التأمّل في الأحداث والتعامل مع العواقب الاجتماعية والقانونية لما يقومون به. نتساءل عن دورهم في توجيه المواطنين إلى العنف من خلال قلّة انضباطهم وسوء تصرّفهم أمام الملإ عبر كافة وسائل الإعلام المسموعة و المرئيّة في حركات استعراضيّة غريبة في مقرّ البرلمان بالذّات وهو معلم يرمز إلى السّيادة لم نعهدها من السّياسيين السّابقين. وبطبيعة الأحيان سيؤثّر ذلك على المشهد التّونسيّ و ها نحن نجني الجراح نتيجة استهتارهم وحساباتهم الحزبيّة الضّيقة.
الثقافة المتغيّرة بعد الثورة
نسائم الثّورة التي هبّت علينا كانت محمّلة بتغييرات جذرية في مختلف مجالات الحياة. واستجابةً لهذه التّغيّرات، تبدّلت طريقة التّفكير برزت معها مقاربات في المجتمع التونسي لم نألفها . ومع ذلك، لم تكن جميع هذه التغييرات إيجابية. بدأت ظاهرة العنف تظهر بشكل متزايد، فطالت العلاقات الشّخصية، العلاقات المهنيّة و حتّى العلاقات الأسريّة.
في خضمّ هذا التّحوّل، بدأ المجتمع التّونسيّ يشعر بالارتباك والاضطراب. فقد تزايدت حالات العنف و الشّغب العام، وأصبحت تلك الظواهر تشكل تهديدًا حقيقيًا للسّلم والاستقرار. إن هذا التحوّل الثّقافي السّريع أدّى إلى ارتفاع معدّلات العنف والجريمة وتدهور العلاقات.
بعض أشكال هذ العنف:
- العنف في الشّوارع و في الملاعب الرّياضيّة
زادت حالات العنف في الشّوارع بما في ذلك الشّغب والاحتجاجات غير السّلمية. يمكن أن تكون هذه الحوادث نتيجة للتّوترات الاجتماعية والسّياسية خاصّة التي تسببت فيها التحولات السريعة في البلاد.
- العنف الأسريّ
ارتفعت حالات العنف داخل الأسر بسبب التوترات الاقتصادية والاجتماعية. يتضمّن ذلك العنف الجسدي والنفسي ضد الأفراد، وخاصة النساء والأطفال.
- الجريمة والعصابات
زادت معدلات الجريمة في تونس بعد الثّورة. ظهرت عصابات مسلّحة قامت بالسّطو على فروع بنكيّة وشبكات إجراميّة روّعت المواطنين في الشّوارع و في منازلهم بالقيام بعمليات براكاجات خلّفت مآسي عديدة.
- التطرّف الديني
ظهرت بعض التّيارات المتطرّفة بعد الثورة، وقد تسبّبت في حوادث عنف دينيّ وتصاعد التوترات الدينية في المجتمع نتيجة الشّحن المتواصل و استهتار بعض القيادات الحزبيّة وتغليبهم مصالح أحزابهم عن مصلحة الشّعب و الدّولة، عبر وسائل إعلام لم نر لها مشروعا غير تأجيج الصّراعات و ترذيل الوضع.
- العنف ضد النّساء و الأطفال
تزايدت حالات العنف ضد النّساء، بما في ذلك العنف الجسدي والاعتداءات الجنسيّة، برغم تترسانة القوانين التي وقع سنّها في إطار حفظ حوق الطّفل و المرأة.
- التطرف السياسيّ
تصاعدت التوتّرات السّياسية والاجتماعية بعد الثورة، ممّا أدى إلى تصاعد التّطرف السّياسيّ والعنف السّياسيّ في الكثير من الأحيان ويظهر ذلك في احتدام النّقاشات في البرامج الإذاعيّة و الحصص التّلفزيّة إلى جانب السّب و الشّتم على مواقع التّواصل الاجتماعيّ. ولا ننسى بطبيعة الحال تصريح الأمين العام لاتّحاد الشّغل الذي قال حرفيّا في إحدى المناسبات : " رانا معاركيّة وما فينا ما يتفصل ".
كان لنا وطن يجمعنا إلا أنّ الأحزاب السّياسيّة التي أتى بها الثّورجيون فرّقتنا و خلقت بيننا حزازات فكريّة تطوّرت فتجسّدت عنفا نفسيّا و اعتداءات تخرّ أمامها أعتى الأجسام. و صار للأسف أصدقاء الأمس أعداء اليوم
المعتدية لا علاقة لها بموضوع الخلاف