" لم نلاحظ تغييرا و الرئيس ليس وحده الحاكم ... فلماذا سنفرح ؟ "كلّما انتخبت الولايات المتحدة رئيسا جديدا تنتهي النقاشات السياسية بتلك الجمل. ببساطة الولايات المتحدة دولة عميقة فلنفهم المصطلح ...
نشأة الدّولة العميقة
نشأ مصطلح الدّولة العميقة بعد سقوط الخلافة العثمانية وإعلان الجمهورية التّركية عام ألف وتسعمائة وثلاثة وعشرين ( 1923 ) برئاسة كمال أتاتورك الذي ألغى العمل بالشّريعة الإسلاميّة عام ألف وتسعمائة وستّة وعشرين ( 1926 ) وحلّت محلّها قوانين مدنيّة.
ولم تقابل قراراته بالتّرحيب من الجميع. ولضمان فصل الدّين عن السّياسة. أنشأ أتاتورك شبكة عرفت بـ " الدّولة العميقة " مكوّنة من ضبّاط القوات الحاملة للسّلاح من جيش و شرطة بشكل أساسيّ هدفها محاربة أيّ فكر أو حركة أو حزب أو صحافيين حتّى أعضاء الحكومة إذا كانت ستهدّد العلمانيّة ويمكن أن تصل لاغتيال المهدّدين للعلمانيّة.
أجهزة موازيّة داخل الدّولة
وزير الخارجية التركي السابق والمنظر لحزب العدالة والتنمية الحاكم أحمد داود أوغلو أعاد المصطلح للذاكرة عندما قال إنّ هناك دولة داخل الدّولة تعرقل التّغيير.
و انتشرت فكرته التي تقول إن أتاتورك والأحزاب الكماليّة أنشأت أجهزة موازيّة داخل الدّولة ليصبح من الصّعب على السّلطات التي لا تنتمي لها النّجاح في تطبيق برامجها. بل وصل إلى حدّ القول إن تلك السّياسة تضمّنت تنفيذ اغتيالات عند الضّرورة. هذا عن نشأة المصطلح.
أمّا المختصّون في العلوم السّياسيّة فيطلقون على الدّور الذي يلعبه بعض الأفراد أو المؤسّسات ليكونوا أصحاب السّلطة الحقيقيون في الخفاء بقدرات تفوق قدرات السّياسيين و إمكاناتهم. أحيانا كأفراد يمكن أن يكون رجال أعمال متنفّذين ومؤسّسات ممكن تكون مؤسّسات مثل الجيش ويمكن أن تتواجد الدّولة العميقة في نظام أيّ دولة سواء كان ملكيّا أم جمهوريا أو برلمانيّا.
إقرأ أيضا
الولايات المتّحدة الأمريكيّة نموذج فريد
وهنا نعود للولايات المتّحدة الأمريكيّة لأنها تمثّل نموذجا فريدا من نوعه يجمع بوضوح كلّ مقوّمات الدّولة العميقة بسلبياتها و إيجابيّاتها .
- فمثلا وصف عضو الكونغرس السّابق الجمهوريّ مايك لوفرين عام ألفين وأربعة عشر ( 2014 ) الدّولة العميقة في بلاده قائلا:
- - إنّها ذلك الجزء المخفيّ من الحكومة والذي تمثّله القطاعات المكوّنة من أصحاب رؤوس الأموال والصّناعيين والذين تشكّلت لديهم إمكانيّة حكم الولايات المتّحدة بدون ضرورة الانخراط في العمليّة السّياسية الرّسمية.
- وأضاف عليها أكاديميون دور الاستخبارات والأمن الداخليّ والقوات المسلّحة فهذه القوى مجتمعة تضع الأجندة السياسيّة وتموّل الحملات الانتخابيّة وتقرّر من يكون الرّئيس ولا قدرة لأيّ رئيس على تجاوز ما ترسمه الدّولة العميقة لسياسة البلاد.
- و ذكر ذلك مدير وكالة المخابرات الأميركي السابق جون برينان بمؤتمر عقد عام ألفين وسبعة عشر( 2017 ) فقال:
- - إن المسؤولين في السّلطة التنفيذية ملزمون برفض تنفيذ الأوامر المناهضة للديمقراطية من الرئيس دونالد ترامب
وهذا يعني صعف انتخابات تعدديّة وديمقراطيّة وكلّ رئيس له إنجازاته أو سقطاته ولكنّ السّائد أنّ السّياسات الرّئيسيّة لا تتأثّر في الدّولة العميقة بالإدارات المتغيّرة.
استقرار النّظام السياسيّ شرط أساسيّ لنشوء الدّولة العميقة وتطوّرها فمثلا عندما تغيّر نظام الحكم بالكامل في العراق مع انهيار حزب البعث مُحِيت الدّولة العميقة القديمة واندثرت تماما... بعض الأحزاب والجماعات تتصرّف كأنها دولة لكن ضمن حدود الدّولة.